١ :: الرواية الاولى :: الباب :: ١ :: قَالَ : كُنَّا مَعَ الرَّضَا عليه السلام بمَروَ ، فَجْتَمَعنَا فِي الجَامِع يَوْمَ الجُمعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا فَأَدَارُوا أَمْرَ الإِمَامَةِ وذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا ، فَدَخَلتُ عَلَى سَيَدِي عليه السلام فَأَعْلَمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِيهِ فَتَبَسَّمَ عليه السلام ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ العَزِيزِ : جَهِلَ القَوْمُ وخُدِعُوا عَن آرَائهِمْ ، إِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله حَتى أَكملَ لَهُ الدِّينَ ، وأَنْزَلَ عَلَيْهِ القُرْآنَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلَ شَيْءٍ ، بَيَّنَ فِيهِ الحَلَالَ والحَرَامَ ، والحُدُودَ والآحْكَامَ ، وجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلًا ، فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ : { مَّا فَرَّطنَا فيِ الكِتَبِ مِن شَىءٍ } الأنعام ٣٨ : وأَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ وهِيَ آخِرُ عُمُرِهِ صلى الله عليه وآله : { اُليَومَ اَكمَلتُ لِكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ اُلإِسلَمَ } المائدة ٣ : وأَمرُ الإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ ، ولَمْ يَمْضِ صلى الله وآله حتَّى بَيَّنَ لأُِمَّتِهِ مِعَالِمَ دِينِهِمْ ، وأَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ ، وتَرَكَهُمْ عَلَى قَصدِ سَبِيلِ الحَقِّ ، وأَقَامَ لَهُمْ عَلِيّاٌ عليه السلام عَلَماٌ وإِمَاماٌ ، ومَا تَرَكَ لَهُمْ شَيْئاً يَحتَاجُ إِليْهِ الأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ َعَزَّ وجَلَّ لَمْ يُكمِل دِينَهُ فَقَد رَدَّ كِتَابَ الله ِ، ومَنْ رَدَّ كِتَابَ الله ِفَهُوَ كَافِرٌ بِهِ . هَل يَعرِفُونَ قَدرَ الإِمَامَةَ ومَحَلَّهَا مِنَ الأُمَّةِ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ ، إِنَّ الإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدراٌ وأَعظَمُ شأْناً وأَعلَى مَكَاناً وأَمْنَعُ جَانِباً وأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ ، إِنَّ الإِمَامَةَ خَصَّ الله ُعَزَّ وجَلَّ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ عليه السلام بَعدَ النُّبُوَّةِ والخُلَّةِ مَرتَبَةً ثَالِثَةً ، وفَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِها وأَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ ، فَقَالَ : { إِ نّىِ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } البقرة ١٢٤ : فَقَالَ الخَلِيلُ عليه السلام سُرُوراً بِهَا : {ومِنْ ذرِّيَّتِي } ، قَالَ الله ُتَبَارَكَ وتَعَالَى : { لاَ يَنَالُ عَهُدِى الظَّلِمِينَ } . فَأَبْطَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وصَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ الله ُتَعَالَى بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُريَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ والطَّهَارَةِ فَقَالَ : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسحَقَ وَيَعقًوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلنَا صَلِحِيِنَ ( ٧٢ ) وَجَعَلنَهُم أَئِمةً يَهدُونَ بِأَمرِناَ وَأَوحَينَآ إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَوةِ وإِيتَآءَ الزَّكَوةِ وَكَانُوا لَنَا عَبدينَ ( ٧٣ ) الأنبياء ٧٢ - ٧٣ . فَلَمْ تَزَل فِي ذُريَّتِهِ يَرِثُهَا بَعضٌ عَنْ بَعضٍ قَرناً فَقَرناً حَتَّى وَرَّثَهَا الله ُتَعَالَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله ، فَقَالَ جَلَّ وتَعَالَى : { إِنَّ أَولَى النَّاسِ بِإِبَرهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِِىُّ وَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلىَُ الْمُؤمِنِينَ } آل عمران ٦٨ : فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً فَقَلَّدَهَا صلى الله عليه وآله وسلم عَلِيّاً عليه السلام بِأَمرِ الله ِتَعَالَى عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَ الله ُ، فَصَرَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الأَصفِيَاءِ الَّذِينَ آتاهُمُ الله ُالعِلمَ والإِيمَانَ ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ العِلمَ وَالإِيمَنَ لَقَد لَبِثتُم فىِ كِتَبِ الله َإِلَى يَومٍ البَعثِ } الروم ٥٦ : فَهِيَ فِي وُلدِ عَلِيٍّ عليه السلام خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ؛ إذْ لَا نَبِيَّ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فَمِنْ أَيْنَ تَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الجُهَّالُ . إنَّ الإمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الأَنْبِيَاءِ ، وإِرْثُ الأوْصِيَاءِ ، إِنَّ الإمَامَةَ خِلَافَةُ الله ِوخِلَافَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله ومَقَامُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ ومِيرَاثُ الحَسَنِ والحُسَيْنِ عليهم السلام . إِنَّ الإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ ، ونِظَامُ المُسْلِمِينَ ، وصَلَاحُ الدُّنْيَا وعِزُّ المُؤْمِنِينَ ، إِنَّ الإِمَامَةَ أُسُّ الإِسْلَامِ النَّامِي ، وفَرعُهُ السَّامِي ، بِالإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ والزَّكَاةِ والصِّيَامِ والحَجِّ والجِهَادِ ، وتَوْفِيرُ الفَيْءِ الصَّدَقَاتِ ، وإِمْضَاءُ الحُدُودِ والأَحكَامِ ، ومَنْعُ الثُّغٌورِ والأَطرَافِ . الإمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ الله ِ، ويُحَرِّمُ حَرَامَ الله ِ، ويُقِيمُ حُدُودَ الله ِ، ويَذُبُّ عَنْ دِينِ الله ِ، ويَدعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ، والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ، والحُجَّةِ البَالِغَةِ، الإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ المُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلعَالَم ، وهِيَ فِي الأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الأَيْدِي والأَبْصَارُ . الإِمَامُ البَدْرُ المُنِيرُ ، والسِّرَاجُ الزَّاهِرُ ، والنُّورُ السَّاطِعُ ، والنَّجْمُ الهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى وأَجْوَازِ البُلدَانِ والقِفَار ، ولُجَجِ البِحَارِ ، الإِمَامُ المَاءُ العَذْبُ عَلَى الظَّمَإ ، والدَّالُّ عَلَى الهُدَى ، والمُنْجِي مِنَ الرَّدَى الإِمَامُ النَّارُ عَلَى اليَفَاعِ ، الحَارُّ لِمَنِ اصطَلَى بِهِ ، والدَّلِيلُ فِي المَهَالِكِ ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ ، الإِمَامُ السّحَابُ المَاطِرُ ، والغَيْثُ الهَاطِلُ والشَّمْسُ المُضِيئَةُ ، والسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ ، والأَرضُ البَسِيطَةُ ، والعَيْنُ الغَزِيرَةُ ، والغَدِيرُ والرَّوْضَةُ . الإِمَامُ الأَنِيسُ الرَّفِيقُ، والوَالِدُ الشَّفِيقُ ، والأَخُ الشَّقِيقُ ، والأُمُّ البَرَّةُ بِالوَلَدِ الصَّغِيرِ ، ومَفْزَعُ العِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ ، الإِمَامُ أَمِينُ الله ِفِي خَلقِهِ ، وحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ وخَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ ، والدَّاعِي إِلَى الله ِ، والذَّابُّ عَنْ حُرَمِ الله ِ. الإمَامُ المُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ والمُبَرَّأُ عَنِ العُيُوبِ ، المَخْصُوصُ بِالعِلمِ ، المَوْسُومُ بِالحِلمِ ، نِظَامُ الدِّينِ ، وعِزُّ المُسْلِمِينَ وغَيْظُ المُنَافِقِينَ ، وبَوَارُ الكَافِرِينَ . الإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ ، ولَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ ، ولَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ ولَا لَهُ مِثْلٌ ولَا نَظِيرٌ ، مَخْصُوصُ بِالفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ ولَا اكْتِسَابٍ ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ المُفْضِلِ الوَهَّابِ . فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعرِفَةَ الإِمَام ، أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، ضَلَّتِ العُقُولُ ، وتَاهَتِ الحُلُومُ ، وحَارَتِ الأَلبَابُ ، وخَسَأَتِ العُيُونُ وتَصَاغَرَتِ العُظَمَاءُ ، وتَحَيَّرَتِ الحُكَمَاءُ ، وتَقَاصَرَتِ الحُلَمَاءُ ، وحَصِرَتِ الخُطَبَاءُ ، وجَهِلَتِ الأَلِبَّاءُ ، وكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ ، وعَجَزَتِ الأُدَبَاءُ ، وعَيِيَتِ البُلَغَاءُ ، عَنْ وَصفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ ، وأَقَرَّت بِالعَجْزِ والتَّقْصِيرِ ، وكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ ، أوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ويُغْنِي غِنَاهُ لَا كَيْفَ وأنَّى ؟ وهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ مِنْ يَدِ المُتَنَاوِلِينَ ، ووَصفِ الوَاصِفِينَ ، فَأَيْنَ الاِ خْتِيَارُ مِنْ هَذَا ؟ وأَيْنَ العُقُولُ عَنْ هَذَا ؟ وأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا ؟ ! . أَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ، كَذَبَتهُمْ والله ِأَنْفُسُهُمْ ، ومَنَّتْهُمُ الأَبَاطِيلَ فَارتَقَوْا مُرتَقاً صَعباً دَحضاً ، تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ ، رَامُوا إِقَامَةً الإِمَامِ بِعُقُولِ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ ، وآرَاءٍ مُضِلَّةٍ ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنهُ إِلَّا بُعداً ، { قَتَلَهُمُ الله ُأَنَّى يُؤفَكُونَ } التوبة ٣٠ ، ولَقَد رَامُوا صَعباً ، وقَالُوا إِفْكاً ، وضَلُّوا ضَلَا لَا بَعِيداً ، ووَقَعُوا فِي الحَيْرَةِ ، إِذْ تَرَكُوا الإمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ ، وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ . رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ الله ِواخْتِيَارِ رَسُولِ الله ِوأَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ والقُرآنُ يُنَادِيهِمْ : { وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبحَانَ الله ِوَتَعَلَى عَمَّا يُشرِكُونً } القصص ٦٨ . وقَالَ عَزَّ وجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اَللهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم } الأحزاب ٣٦ الآيَةَ . وقَالَ : { مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ ( ٣٦ ) أَم لَكُم كِتَابٌ فِيهِ تَدرُسُونَ ( ٣٧ ) إِنَّ لَكُم فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ( ٣٨ ) أَم لَكُم أَيمَانٌ عَلَينَا بَلِغَةٌ إلَى يَومِ القِيَامَةِ إِنَّ لَكُم لَمَا تَحكُمُونَ ( ٣٩ ) سَلهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ ( ٤٠ ) أَم لَهُم شُرَكَآءُ فَليَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِم إِن كَانُواْ صَادِقِيِنَ ( ٤١ ) } القلم ٣٦ - ٤١ ، وقَالَ عَزَّ وجَلَّ : { أَفَلَاَ يَتَدَبَّرُونَ اُلقُرءَانَ أم عَلَى قُلُوبٍ أَقفًالُهَآ ( ٢٤ ) } محمد ٢٤ ، أَمْ { وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم فَهُم لَا يَفقَهُونَ } التوبة ٨٧ ، أَمْ { قَالُواْ سَمِعنَا وَهُم لَا يَسمَعُونَ ( ٢١ ) إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ اُلبُكمُ الَّذِينَ لَا يَعقِلُونَ ( ٢٢ ) وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِم خَيرًا لَّأَسمَعَهُم وَلَو أَسمَعَهُم لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعرِضُونَ ( ٢٣ ) } الأنفال ٢١ - ٢٣ ، أَمْ { قَالُواْ سَمِعنَا وَعَصَينَا } البقرة ٩٣ ، بَل هُوَ { فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ } الحديد ٢١ ، فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الإِمَامِ ؟ ! والإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ ، ورَاعٍ لَا يَنْكُلُ ، مَعدِنُ القُدسِ والطَّهَارَةِ ، والنُّسُكِ والزَّهَادَةِ ، والعِلمِ والعِبَادَةِ ، مَخْصُوصٌ بِدَعوَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله ونَسْلِ المُطَهَّرَةِ البَتُولِ ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسبِ ، ولَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ ، فِي البَيْتِ مِنْ قُرَيْشِ والذِّروَةِ مِنْ هَاشِمٍ ، والعِترَةِ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله والرِّضَا مِنَ الله عَزَّ وجَلَّ ، شَرَفُ الأَشْرافِ ، والفَرعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ ، نَامِي الِعلمِ ، كَامِلُ الحِلم ، مُضطَلِعٌ بِالإِمَامَةِ ، عَالِمٌ بالسِّيَاسَةِ ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ ، قَائِمٌ بِأَمْرِ الله عَزَّ وجَلَّ ، نَاصِحٌ لِعِبَادِ الله ، حَافِظٌ لِدِينِ الله . إِنَّ الأَنْبِيَاءَ والأَئِمَّةَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِم يُوَفَّقُهُمُ الله ُويُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلمِهِ وحِكَمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ ، فَيَكُونُ عِلمُهُمْ فَوْقَ عِلمِ أَهْلِ الزَّمَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَمَن يَهدِى إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِى إِلَّا أَن يُهدَى فَمَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ } يونس ٣٥ ، وقَوْلِهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى : { وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِىَ خَيرًا كَثِيرًا } البقرة ٢٦٩ ، وقَوْلِهِ فِي طَالُوتَ : { إِنَّ اللَّهَ اصطَفَهُ عَلَيكُم وَزَادَهُ بَسطَةً فيِ العِلمِ وَالجِسمِ وَاللَّهُ يُؤتيِ مُلكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة ٢٤٧ ، وقَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله : { وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُن تَعلَمُ وَكَانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظِيمًا } النساء ١١٣ ، وقَالَ فِي الأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وعِترَتِهِ وذُرِّيَّتِهِ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِم : { أَم يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضّلِهِ فَقَد ءَاتَينَآ ءَالَ إِبرَاهِيَم الكِتاَبَ وَالحِكمَةَ وَءَاتَينَاهُم مُّلكًا عَظِيمًا ( ٥٤ ) فَمِنهُم مَّن ءَامَنَ بِهِ وَمِنهُم مَّن صَدَّ عَنهُ وَكَفَى بجَهَنَّمَ سَعِيرًا ( ٥٥ ) النساء ٥٤ - ٥٥ } . وإِنَّ العَبْدَ إذَا اخْتَارَهُ الله عَزَّ وجَلَّ لِأمورِ عِبَادِه ، شَرَح صَدرَهُ لِذَلِكَ ، وأَوْدَعَ قَلبَهُ يَنَابِيعَ الحِكْمَةِ ، وأَلهَمَهُ العِلمَ إِلهَاماَ ، فَلَمْ يَعيَ بَعدَهُ بِجَوَابٍ ، ولَا يُحَيَّرُ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ ، فَهُوَ مَعصُومٌ مُؤَيَّدٌ ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ ، قَد أَمِنَ مِنَ الخَطَايَا والزَّلَل والعِثَارِ ، يَخُصُّهُ الله بِذَلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وشَاهِدَهُ عَلَى خَلقِهِ ، { ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ } الحديد ٢١ . فَهَل يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ ، تَعَدَّوْا - وبَيْتِ الله - الحَقَّ ونَبَذُوا كِتَابَ الله وَرَادَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعلَمُونَ ، وفِي كِتَابِ الله الهُدَى والشِّفَاءُ ، فَنَبَذُوهُ واتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم ، فَذَمَّهُمُ الله ومَقَّتَهُمْ وأَتعَسَهُمْ فَقَالَ جَلَّ وتَعَالَى : { وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَىهُ بِغَيرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِى القَومَ الظَّالِمِينَ } القصص ٥٠ ، وقَالَ : { فَتَعسًا لَّهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم } محمد ٨ ، وقَالَ : { كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَلِكَ يَطبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِ قَلبِ مُتَكَبِرٍ جَبَّارٍ } غافر ٣٥ ، وصَلَّى الله عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً . ( اصول الكافي ـ كتاب الحُجة ـ باب ٧٢ ـ صفحة ١١٤ ) .